مقابلة: مازن درويش، رئيس المركز السوري للإعلام وحرية التعبير
المحور الأول: العدالة الانتقالية
س: أعلنتم مراراً عن رفع دعاوى قانونية ضد أشخاص متهمين بارتكاب جرائم حرب، وذكرتم أن بعضهم حصل على هويات جديدة. ما الآليات التي تستخدمونها حالياً لتعقّب هؤلاء بعد سقوط النظام؟ وهل لا يزال التقاضي الدولي مساراً قابلاً للحياة أم ينبغي أن يكون المسار الأساسي سورياً؟
المشكلة الأساسية هي أن سوريا ما تزال بلا خطة وطنية للعدالة الانتقالية. كان يجب وضع هذه الخطة منذ فشل الحوار الوطني في تشكيل لجنة وطنية تتولى إعدادها.
نحن نتحرك حالياً عبر خطوات متفرقة، ومن دون استراتيجية حكومية أو مستقلة—لا في لجنة العدالة الانتقالية ولا مع المجتمع المدني. ما يجري اليوم، مثل محاكمات الساحل أو الاعتقالات أو التحقيقات المعلنة، هو في الغالب إجراءات ردّ فعل. ومنها إحضار شخصيات موقوفة مثل عاطف نجيب أمام قضاة التحقيق ومحاكمات الساحل، وهي خطوات يجب دمجها في عملية عدالة انتقالية أوسع لأن أحداث الساحل جزء من سياق الصراع العام.
بالنسبة للهاربين من أصحاب الرتب العليا، نتعاون مع عدة جهات. حصلنا على أكثر من 20 مذكرة توقيف دولية صادرة عن القضاء الفرنسي. ومع قضاة التحقيق والنيابة العامة وشرطة جرائم الحرب الفرنسية والمركز، شكّلنا وحدة مشتركة لتعقّب الأشخاص المطلوبين. وعلى هذا الأساس، أرسلنا طلبات تعاون إلى لبنان ودول خليجية يجري فيها تعقّب شخصيات إضافية.
هذه المسارات يجب أن تتكامل. المبدأ أن تكون المساءلة سورية، لكن لأن كثيراً من المرتكبين خارج البلاد، ولأن الملفات معقدة، يجب الجمع بين المحاكمات السورية ومحاكم الولاية القضائية العالمية—في فرنسا وألمانيا وهولندا والسويد—والتعاون مع المحكمة الجنائية الدولية عند الحاجة.
س: كيف تقيمون أداء لجنة العدالة الانتقالية حتى الآن؟
البنية منذ البداية افتقرت لرؤية استراتيجية. لست أحمّل أعضاء اللجنة المسؤولية؛ مساحة عملهم محدودة.
ننتظر صدور قانون العدالة الانتقالية لمعالجة الفراغ التشريعي الذي سببه الإعلان الدستوري، والذي أبقى البلاد في حالة شغور طويل.
وننتظر أيضاً تشكيل مجلس الشعب وتعيين الثلث الأخير من أعضائه، إذ تحتاج مئات القوانين إلى تعديل أو استبدال. حتى الإطار الجنائي السوري لا يشمل جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية. أصل المشكلة بدأ من الحوار الوطني، واستمر عبر الإعلان الدستوري، وتحمّل اللجنة اليوم هذا الإرث بينما تتعرض لضغط عام كبير لإصدار قانون.
ومن خلال التجارب المقارنة، فإن الدول الخارجة من النزاعات تحتاج عادة غالباً لعامين لبناء الهياكل القانونية والمحاكم وبرامج التدريب. لكن الاندفاع الذي أعقب سقوط النظام أدى إلى وعود غير واقعية: زيادات أجور بنسبة 400%، كهرباء 24 ساعة، محاكمة جميع الجناة، وتعويض جميع الضحايا. هذه الوعود لم تكن مفيدة.
وفي السياق نفسه، بدأنا باستعادة أموال من رفعت الأسد. حيث تستعد الحكومة الفرنسية لتحويل 32 مليون يورو من أصوله إلى الحكومة السورية. عملنا على هذا الملف سنوات طويلة، ويسعدنا رؤية نتائج حقيقية.
وسيُحوَّل باقي الأصول تدريجياً. ونعمل على توسيع المصادرات لما بعد الـ80 مليون يورو، بما يشمل عقارات جديدة في فرنسا. وُقّعت بروتوكولات بين الحكومتين، ومن المتوقع أن تحدد الحكومة السورية مجالات الإنفاق قبل تحويل الأموال.
س: هل يمكن لفرنسا فرض شروط على استخدام هذه الأموال؟
حسب علمنا، لا توجد شروط. ونأمل أن تُستخدم هذه الأموال في مسارات العدالة، والبحث عن المفقودين، وتعويض الضحايا.
س: على الصعيد الشخصي، كيف تنظرون إلى هذا الإنجاز بعد سنوات من العمل لدعم الضحايا ومحاسبة المرتكبين؟
أنا قبل كل شيء مواطن سوري، وواحد من الضحايا. تعرّضتُ وعائلتي—بمن فيهم والداي—للاعتقال والإخفاء والانتهاكات. هذا العمل يمسّنا مباشرة.
وفي الأيام المقبلة سنرفع، مع شركاء سوريين، دعوى في الدنمارك ضد شركة دنماركية زوّدت الطائرات الروسية بالوقود بين 2015 و2017. و سنطالب بتعويض الضحايا وللدولة السورية.
س: ما وضع أصول رفعت الأسد في بريطانيا وإسبانيا ودول أخرى؟
سنكثّف جهودنا القانونية في إسبانيا. أحد دروس السنوات الماضية هو أنه لا مسار مغلق أمام الضحايا المصممين على نيل حقوقهم. ففي عام 2023، حين صدرت مذكرة توقيف بحق بشار الأسد وهو لا يزال رئيساً، كان ذلك حدثاً غير مسبوق. كثيرون اعتقدوا أنه مستحيل، لكن الإصرار أثبت العكس.
المحور الثاني: انتهاكات الساحل والإجراءات القضائية
س: ذكر تقريركم أن «الاعتراف ليس ضعفاً بل أعلى درجات الشجاعة الأخلاقية». بعد تشكيل اللجنة الرسمية، كيف تقيّمون مسار العدالة؟ وما رأيكم بالمحاكمات؟
ما لا يُعترَف به لا يُعاقَب، وما لا يُعاقَب يتكرر.
تشكيل لجنة خطوة جديدة في سوريا. الاعتراف بمقتل نحو 1,500 مدني بشكل غير قانوني أمر إيجابي. لكن هناك فروق بين تقريرنا وتقرير اللجنة، مثل امتناعها عن تسمية جهات مرتبطة بالحكومة، واختلاف توصيفها القانوني للقتل (متعمد، مقابل غير متعمد).
مع ذلك، يبقى استجواب الضحايا وتوثيق القتل رسمياً وتسمية المشتبه بهم، حتى لو كانوا مرتبطين بشبكات النظام السابق، خطوة إيجابية. كنا نأمل نشر التقرير كاملاً التزاماً بالشفافية، وهذا لم يحدث.
ولا يمكن فصل العدالة عن الواقعين الاجتماعي والسياسي. من الأفضل أن تُدمج جرائم الساحل ضمن إطار العدالة الانتقالية.
كما أن هناك طبقات متعددة من الضحايا: المدنيون، وكذلك 285 من عناصر الأمن ووزارة الدفاع الذين قُتلوا في كمائن. تحتاج أسرهم أيضاً إلى الاعتراف والمساءلة. العدالة يجب أن تراعي حقوق الجميع.
كما يجب ضمان حق العائلات في حضور الجلسات وتعيين المحامين. بعض الأسر لم تعرف كيف تمارس هذه الحقوق.
س: ما تقييمكم الإجرائي للمحاكمات؟ البعض يرى أن التمثيل القانوني لم يُضمن للجميع.
بعض التفاصيل الإجرائية غير واضحة. لا نعرف لماذا أُجريت التحقيقات أمام قضاة عسكريين بينما تُعقد المحاكمات أمام قضاة جزائيين مدنيين.
ولا نعرف أيضاً إن كان للمتهمين محامون خلال التحقيق. الدلائل تشير إلى غياب ذلك. في الجلسة الأولى، عيّن القاضي محامين منتدبين لغياب محامين لدى بعض المتهمين، ما يعني أنهم ربما لم يكن لديهم تمثيل قانوني سابقاً.
الشفافية أيضاً محدودة: أُعلن عن الجلسات قبل يوم أو يومين فقط. ومسار التحقيق غير واضح: من أجراه؟ وبأي صلاحية؟
الصحة القانونية والإجرائية يجب أن ترافقها شفافية وتواصل مع الجمهور.
المحور الثالث: الفساد واستعادة الأصول والصندوق السيادي
س: هل يتجه المركز إلى التقاضي داخل سوريا في قضايا الفساد والانتهاكات؟
داخل سوريا، ندعم لجنة العدالة الانتقالية، ولجنة المفقودين، ووزارة العدل. ومع سقوط النظام، يجب إعادة تعريف الأدوار المؤسسية. سابقاً، لم تتحمل أي جهة حكومية هذه المهام، فاضطر المجتمع المدني إلى لعب دور النيابة العامة ووزارة العدل. لا نريد استمرار هذا الوضع.
دورنا الآن هو التراجع خطوة ودعم المؤسسات الرسمية. ونؤكد أن إعادة الإعمار يجب ألا تأتي على حساب حقوق الضحايا.
كان فساد النظام السابق بنيوياً، لا حالات فردية. ويجب منع إعادة إنتاج شبكات الفساد والمحسوبية في الاقتصاد الجديد. واستعادة الأصول السورية أولوية.
نسمع عن تسويات واستعادة أصول عبر الصندوق السيادي وجهات أخرى، لكن العملية بلا شفافية.
س: هل يجب أن تكون هذه التسويات علنية؟ وكيف تقيّمون آلية الصندوق السيادي؟
الإيجابي هو السرعة: الآلية ترفد الخزينة بسرعة، وهذا مهم. لكن المشكلة غياب الشفافية. من دون معرفة النتائج والتفاصيل، لا يمكن تقييمها.
المحور الرابع: المساءلة عن انتهاكات جميع الأطراف
س: هل تتوقعون أن تشمل العدالة الانتقالية انتهاكات هيئة تحرير الشام وفصائل أخرى؟
هذا ليس غير واقعي. خلال الأشهر الستة الماضية، وبفضل جهود الضحايا والمجتمع المدني، لمسنا تجاوباً من الرئاسة يؤكد أن عمل اللجنة يجب أن يشمل جميع الانتهاكات وجميع الضحايا. وقد أكدت اللجنة ذلك.
المسار لن يكون سهلاً، ويجب عدم رفع توقعات الضحايا بشكل غير واقعي. لا توجد تجربة دولية واحدة شهدت مساءلة جنائية لكل مرتكب. لكن التقاضي الاستراتيجي والمتوازن الذي يحمي حقوق الضحايا يبقى ضرورياً.
س: كلمة أخيرة؟
لدي ملاحظات كثيرة على المسارات الحالية، لكن سقوط النظام فرصة يجب استغلالها.
وجدنا أنفسنا جميعاً في قارب واحد. إمّا أن ننجو معاً أو نغرق معاً. العدالة، والمفقودون، والمساءلة ليسوا ترفاً؛ بل جزء من مستقبل سوريا. الفشل ليس خياراً.
