مساهمة خارجية: جوليان بارنز-دايسي، مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية

منذ تولّي أحمد الشرع السلطة في دمشق في كانون الأول 2024، كانت الدول الأوروبية في مقدمة الجهود الدولية الرامية إلى دعم انتقال مستقر في سوريا، من خلال انخراط سياسي قوي، ودعم اقتصادي، وتواصل أوسع مع المجتمع السوري.
ورغم هذا الحضور، تبقى أوروبا فاعلًا ثانويًا مقارنة بالولايات المتحدة وتركيا ودول الخليج، مع وضوح غياب انخراط استراتيجي أعمق بين الجانبين. وبعد عام على رحيل الأسد، يواجه الاهتمام الأوروبي رفيع المستوى بسوريا خطر التراجع، بينما نادرًا ما تنظر دمشق إلى أوروبا بوصفها شريكًا حاسمًا. وهذا خطأ من الطرفين؛ فهو يقلل من قيمة علاقة ينبغي أن تكون أساسية في حماية مصالحهما الاستراتيجية.
ورغم تركيز دمشق على رفع العقوبات الأمريكية واستقطاب الاستثمارات الخليجية، يظل الدعم الأوروبي مهمًا للحفاظ على تماسك سوريا الجديدة الهشّة. وقد يصبح الانخراط الأوروبي لاحقًا عنصرًا مركزيًا في ترسيخ دولة مستقرة. ومن منظور أوروبي، لا يمكن معالجة المصالح الأساسية—مثل خلق ظروف أفضل تعزز عودة اللاجئين وتقليص الروابط الاقتصادية السورية مع روسيا—إلا من خلال سوريا مستقرة وفاعلة. ومع ذلك، ما يزال بعض الأوروبيين يرون تحقيق هذه الأهداف شرطًا مسبقًا للدعم بدل اعتباره نتيجة له. ويحتاج الجانبان إلى بناء علاقة أكثر تركيزًا من الناحية الاستراتيجية.
يمكن البناء هنا على الاعتراف بأن الأوروبيين—بمن فيهم الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة والنرويج وسويسرا—اتخذوا خطوات كبيرة لدعم الانتقال. فعلى المستوى السياسي، كان كبار المسؤولين الأوروبيين من أوائل الزائرين إلى دمشق، إذ زار وزراء خارجية فرنسا وألمانيا وإيطاليا العاصمة في كانون الثاني 2025، قبل زيارة نظرائهم من السعودية وقطر. وفي شباط، وجّه الرئيس ماكرون الدعوة الأولى للرئيس الشرع لزيارة دولة غربية، وتمت الزيارة في أيار 2025، أي قبل ستة أشهر من لقائه الرئيس ترامب في واشنطن. وقد لعبت هذه التحركات دورًا مهمًا في إضفاء الشرعية الدولية على الحكومة الجديدة. وترافق ذلك مع مبادرات سياسية أوسع، منها الجهود الفرنسية لدعم اتفاق بين دمشق وقوات سوريا الديمقراطية. كما استضاف الاتحاد الأوروبي يوم الحوار السنوي داخل سوريا في تشرين الثاني 2025، تأكيدًا لأهمية المجتمع المدني في تحقيق الاستقرار.
وفي الجانب الاقتصادي، تحرك الأوروبيون بسرعة. فقد رُفعت عقوبات رئيسية في قطاعات الطاقة والنقل والمالية في شباط 2025، وتبع ذلك في أيار رفع “جميع التدابير الاقتصادية التقييدية باستثناء تلك المبنية على أسباب أمنية”. وجاء هذا الإجراء شاملًا ومباشرًا، حتى وإن تزامن مع إعفاءات أمريكية أعلنها الرئيس ترامب.
كما قدم الأوروبيون دعمًا ماليًا كبيرًا. ورغم أن التركيز العام ينصب على دول الخليج التي توفر إمدادات طاقة حيوية ومذكرات استثمار ضخمة قد لا يُنفذ الكثير منها، يظل الدعم الأوروبي محوريًا. فقد التزم الاتحاد الأوروبي بتقديم 2.5 مليار يورو لعامي 2025 و2026 خلال مؤتمر التعهدات في آذار، وصرفت الدول الأوروبية بالفعل مئات ملايين اليوروهات هذا العام—وذلك أكثر من معظم الدول الأخرى—في قطاعات أساسية مثل الزراعة والصحة. ويعكس هذا الدور الأوروبي الطويل بوصفه أكبر مانح للأزمة السورية.
ولا ينتقص هذا من أهمية الرفع الكامل للعقوبات الأمريكية، الذي يبقى البوابة الرئيسية لإعادة تأهيل الاقتصاد السوري نظرًا لهيمنة الولايات المتحدة على النظام المالي العالمي. كما لا يقلل من أهمية الدعم الإقليمي ولا من الإمكانات الاستثمارية المقبلة. لكنه يشير إلى أن دور الأوروبيين ما يزال مهمًا في احتمالات تعافي سوريا.
ومع ذلك، لا يعكس مستوى الانخراط الاستراتيجي بين الطرفين أهمية الدور الأوروبي. ففي ظل تركيز القيادة الجديدة على رفع العقوبات الأمريكية والاندماج الإقليمي، يبدو الحضور الأوروبي هامشيًا في حسابات دمشق. ويتعامل الرئيس الشرع مع أوروبا بوصفها مسألة جانبية، إذ لم يقم بأي زيارة إضافية للعواصم الأوروبية رغم جولاته الإقليمية وزيارتيه للولايات المتحدة وزيارته موسكو. ومن جهة أخرى، يبدو أن الزخم الأوروبي بدأ يتراجع، مع انخفاض الزيارات الوزارية وتراجع التركيز الأولي على دعم الانتقال، في ظل انشغال العواصم الأوروبية بقضايا أخرى. وتجلّى هذا في الانتقادات الشديدة التي واجهها وزير الخارجية الألماني بعد تصريحه بأن الظروف غير مواتية بعد لعودة اللاجئين، رغم أنه كان أحد القلائل الذين زاروا سوريا مؤخرًا.
وفي حين يعمل المبعوث الأمريكي توم باراك بنشاط لصوغ سياسة إدارة ترامب تجاه سوريا—من خلال جولات شبه يومية عبر المنطقة لفتح قنوات اقتصادية ودبلوماسية—لا يوجد نظير أوروبي له. ولم تقم كايا كالاس، الممثلة العليا للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية، بزيارة سوريا، ولم تعيّن مبعوثًا رفيعًا مكلفًا بتنسيق الانخراط ووضع خريطة شراكة طموحة وضمان حضور قوي للصوت الأوروبي. وقد يشمل ذلك تنسيقًا أوثق مع دول الخليج التي تبحث اليوم عن استثمار مواردها بكفاءة أكبر. ويمكن لهذا التنسيق أن يمنح الأوروبيين وزنًا جيوسياسيًا أكبر، بما في ذلك دفع ملفات التشاركية السياسية ودور المجتمع المدني والمساءلة—وهي عناصر أساسية للاستقرار.
هذه الفجوة تحتاج إلى معالجة. وعلى دمشق أن تدرك قيمة الدور الأوروبي إلى جانب أدوار الشركاء الدوليين الآخرين، وأن تعي أنه في حال رُفعت العقوبات الأمريكية بالكامل، يمكن لأوروبا أن تلعب دورًا أساسيًا في تعزيز الدعم الاقتصادي والاستثمار، وتوفير خبرات فنية وقدرات مؤسسية ضرورية لإحياء مؤسسات الدولة.
ومع تراجع المساعدات الدولية وازدياد أهمية دور القطاع الخاص في التعافي المستقبلي، يجدر التذكير بأن الاتحاد الأوروبي كان الشريك التجاري الأكبر لسوريا قبل الثورة، حيث يمكن لهذه العلاقة أن تستعيد دورًا مهمًا في السنوات المقبلة.
أما الأوروبيون، فعليهم ضمان بقاء سوريا أولوية استراتيجية، والعمل على إقناع الرأي العام بأهمية هذا الدور. وفي النهاية، تعتمد احتمالات عودة اللاجئين طوعًا أو تراجع النفوذ الروسي على دعم دولة سورية مستقرة وفاعلة—دولة تشاركية سياسيًا، وآمنة، وقادرة على منع العودة إلى العنف والانهيار. ورغم الخلافات المتوقعة بين الجانبين، يبقى المجال مفتوحًا أمام انخراط استراتيجي أعمق هناك حاجة فعلية إليه الآن